الأصول المتداولة: دليل مبسط.

ما هي الأصول المتداولة؟
في عالم الأعمال والاقتصاد، قد تبدو بعض المصطلحات معقدة وغامضة لغير المتخصصين، ومن بين هذه المصطلحات يأتي مصطلح الأصول المتداولة. فما هي هذه الأصول؟ ولماذا تُعد جزءًا حيويًا من أي كيان تجاري أو مؤسسة؟ ببساطة، يمكننا تعريف الأصول المتداولة بأنها كل ما تملكه الشركة أو الفرد من موارد اقتصادية يمكن تحويلها بسهولة وسرعة إلى نقد خلال فترة زمنية قصيرة، لا تتجاوز عادةً السنة المالية الواحدة. هذه الأصول هي بمثابة شريان الحياة اليومي للشركات، فهي تضمن قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الفورية وتسيير عملياتها بسلاسة. تخيل معي أن لديك مبلغًا من المال في جيبك، أو بضاعة جاهزة للبيع في متجرك، أو ديونًا مستحقة لك من أصدقائك وتتوقع تحصيلها قريبًا؛ كل هذه الأمثلة، وإن كانت مبسطة، تعطينا لمحة عن طبيعة الأصول المتداولة في سياقها الأوسع. إن فهم هذه الأصول ليس حكرًا على المحاسبين والخبراء الماليين، بل هو ضروري لكل من يرغب في فهم كيفية عمل الشركات وكيف تدير أموالها على المدى القصير.

لماذا سميت بـ المتداولة؟
يُطلق على هذه الأصول وصف المتداولة لسبب جوهري يتعلق بطبيعتها ودورها في الدورة التشغيلية لأي عمل تجاري. فالدورة التشغيلية هي الفترة الزمنية التي تستغرقها الشركة لتحويل استثماراتها في المخزون والموارد الأخرى إلى نقد مرة أخرى من خلال عملية البيع والتحصيل. وبما أن الأصول المتداولة هي تلك التي يُتوقع تحويلها إلى نقد أو استهلاكها خلال هذه الدورة التشغيلية، أو خلال فترة لا تتجاوز عادةً الاثني عشر شهرًا أيهما أطول، فإنها تُعد جزءًا لا يتجزأ من الحركة اليومية للأموال داخل الشركة. هذا التحول السريع يميزها عن الأصول الثابتة، مثل المباني والآلات، التي تهدف الشركة إلى الاحتفاظ بها واستخدامها على المدى الطويل لتوليد الدخل، ولا يُتوقع تحويلها إلى نقد في المستقبل القريب. وبالتالي، فإن تسميتها بـ المتداولة تعكس مرونتها وقدرتها على الدوران والتحول المستمر لتلبية احتياجات الشركة قصيرة الأجل.

أنواع الأصول المتداولة
بعد أن فهمنا ما هي الأصول المتداولة ولماذا سميت بهذا الاسم، دعونا نتعمق أكثر في أنواعها المختلفة. فلكل نوع خصائصه ودوره في تعزيز السيولة المالية للشركة:

أولا النقد وما يعادله:
يُعد النقد وما يعادله هو الشكل الأكثر سيولة من الأصول المتداولة. يشمل هذا البند الأموال النقدية الموجودة في خزائن الشركة، والأرصدة في الحسابات المصرفية الجارية، بالإضافة إلى الاستثمارات قصيرة الأجل التي يمكن تحويلها إلى نقد بسهولة وسرعة فائقة دون مخاطر كبيرة في فقدان قيمتها. ومن أمثلة هذه الاستثمارات سندات الخزينة قصيرة الأجل، والأوراق التجارية، وصناديق سوق المال. هذه الأصول هي بمثابة الوقود الذي يحرك عجلة العمليات اليومية للشركة، فهي تستخدم لدفع الرواتب، وشراء المواد الخام، وتسديد الفواتير، وغيرها من النفقات التشغيلية الضرورية.

ثانيا المدينون حسابات القبض:
في كثير من الأحيان، تبيع الشركات منتجاتها أو خدماتها لعملائها بالآجل، أي لا يتم تحصيل قيمتها نقدًا فورًا عند البيع، بل يتم الاتفاق على سدادها في تاريخ لاحق. هذه المبالغ المستحقة للشركة من عملائها تُعرف باسم المدينون أو حسابات القبض. ورغم أنها ليست نقدًا في الوقت الحالي، إلا أنها تُعد أصولًا متداولة لأنه يُتوقع تحصيلها وتحويلها إلى نقد خلال الفترة التشغيلية العادية للشركة. تُعد إدارة المدينين أمرًا بالغ الأهمية، حيث يجب على الشركات متابعة هذه الحسابات بانتظام لضمان تحصيلها في الوقت المحدد وتجنب الديون المعدومة التي قد تؤثر سلبًا على سيولة الشركة.

ثالثا المخزون:
يشمل المخزون جميع السلع والمواد التي تمتلكها الشركة بغرض البيع أو الاستخدام في عملية الإنتاج. يمكن تقسيم المخزون إلى عدة أنواع:

·  المواد الخام: وهي المواد الأساسية التي تدخل في عملية التصنيع.

·  الإنتاج تحت التشغيل: وهي المنتجات التي بدأت عملية تصنيعها ولكنها لم تكتمل بعد.

·  المنتجات تامة الصنع: وهي المنتجات النهائية الجاهزة للبيع للعملاء.

يُعد المخزون أصلاً متداولًا لأنه يُتوقع بيعه وتحويله إلى نقد خلال الدورة التشغيلية. ورغم أهميته، فإن الاحتفاظ بمخزون كبير جدًا قد يؤدي إلى تكاليف تخزين مرتفعة ومخاطر تقادم أو تلف البضاعة، بينما قد يؤدي المخزون القليل جدًا إلى فقدان فرص البيع وعدم القدرة على تلبية طلبات العملاء. لذا، فإن الإدارة الفعالة للمخزون ضرورية لتحقيق التوازن الأمثل.

رابعا المصروفات المدفوعة مقدماً:
تخيل أن شركة دفعت إيجار مكتبها لمدة عام كامل مقدمًا، أو اشترت بوليصة تأمين تغطي فترة زمنية مستقبلية. هذه المبالغ التي تم دفعها مقابل خدمات أو منافع لم يتم الحصول عليها بعد تُعرف باسم المصروفات المدفوعة مقدمًا. ورغم أنها تمثل تدفقًا نقديًا خارجًا في وقت الدفع، إلا أنها تُعد أصولًا متداولة لأنها تمثل حقًا للشركة في الحصول على خدمة أو منفعة مستقبلية خلال الفترة المحاسبية الحالية أو القادمة. ومع مرور الوقت واستفادة الشركة من هذه الخدمات، يتم تحويل هذه المصروفات المدفوعة مقدمًا إلى مصروفات فعلية في قائمة الدخل.

خامسا الأوراق المالية القابلة للتسويق:
تُشير الأوراق المالية القابلة للتسويق إلى الاستثمارات في الأسهم والسندات التي يمكن بيعها بسرعة في السوق المالي دون تأثير كبير على سعرها. تقتني الشركات هذه الأوراق المالية بهدف تحقيق عائد على الأموال الفائضة لديها، أو للاحتفاظ بها كاحتياطي نقدي يمكن تحويله بسهولة إلى نقد عند الحاجة. تختلف هذه الأوراق عن الاستثمارات طويلة الأجل التي تحتفظ بها الشركة لسنوات عديدة بهدف السيطرة أو تحقيق عوائد استراتيجية. إن سهولة تحويلها إلى نقد هي ما يجعلها تُصنف ضمن الأصول المتداولة، وتُعد مؤشرًا على مرونة الشركة وقدرتها على الاستجابة للفرص أو التحديات المالية.

أهمية الأصول المتداولة للشركات:
لا تقتصر أهمية الأصول المتداولة على كونها مجرد بنود في القوائم المالية للشركات، بل هي ركيزة أساسية لاستقرارها المالي وقدرتها على الاستمرار والنمو. يمكن تلخيص أهميتها في النقاط التالية:

1-  توفير السيولة.
تُعد الأصول المتداولة المصدر الرئيسي للسيولة النقدية للشركة. فالسيولة هي قدرة الشركة على تحويل أصولها إلى نقد بسرعة وسهولة للوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل، مثل دفع فواتير الموردين، وسداد القروض قصيرة الأجل، ودفع الرواتب والأجور. وجود كمية كافية من الأصول المتداولة يضمن أن الشركة لن تواجه صعوبات في سداد ديونها الفورية، مما يحميها من خطر الإفلاس ويحافظ على سمعتها الائتمانية. تخيل شركة لديها الكثير من الأصول الثابتة مثل المصانع والمعدات ولكن ليس لديها نقد كافٍ لدفع رواتب موظفيها؛ هذه الشركة ستواجه مشكلة سيولة حادة حتى لو كانت أصولها الإجمالية كبيرة.

2-  دعم العمليات التشغيلية اليومية.
تُستخدم الأصول المتداولة بشكل مباشر في تمويل العمليات التشغيلية اليومية للشركة. فالمخزون يُباع لتوليد الإيرادات، والنقد يُستخدم لشراء المواد الخام ودفع تكاليف الإنتاج، والمدينون يُتوقع تحصيلهم لتمويل عمليات مستقبلية. بدون هذه الأصول، ستتوقف عجلة الإنتاج والبيع، مما يؤثر سلبًا على قدرة الشركة على تحقيق أهدافها التشغيلية والاستراتيجية. إنها تضمن استمرارية تدفق العمليات وتجنب أي توقفات غير مرغوبة.

3-  مؤشر على الصحة المالية.
تُعد الأصول المتداولة مؤشرًا حيويًا على الصحة المالية العامة للشركة. فالمستثمرون والدائنون يراقبون عن كثب نسبة الأصول المتداولة إلى الخصوم المتداولة نسبة التداول لتقييم قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل. كلما كانت هذه النسبة أعلى، دل ذلك على أن الشركة تتمتع بمركز مالي قوي وقدرة أكبر على مواجهة التحديات الاقتصادية غير المتوقعة. كما أنها تعكس كفاءة إدارة الشركة في تحويل أصولها إلى نقد واستخدامها بفعالية.

4-  تعزيز القدرة على اتخاذ قرارات الاستثمار.
توفر الأصول المتداولة المرونة اللازمة للشركة لاغتنام فرص الاستثمار الجديدة أو التوسع في أعمالها. فإذا كانت الشركة تتمتع بسيولة نقدية جيدة وأصول متداولة كافية، يمكنها بسهولة الاستثمار في مشاريع جديدة، أو شراء معدات إضافية، أو التوسع في أسواق جديدة دون الحاجة إلى الاقتراض المكثف أو بيع أصولها الثابتة. هذا يعزز من قدرتها التنافسية ويساهم في نموها على المدى الطويل.

إدارة الأصول المتداولة.
لا يكفي أن تمتلك الشركة أصولًا متداولة، بل الأهم هو كيفية إدارتها بفعالية. فالإدارة الجيدة للأصول المتداولة تعني تحقيق التوازن الأمثل بين السيولة والربحية. فمن ناحية، تحتاج الشركة إلى سيولة كافية للوفاء بالتزاماتها اليومية وتجنب أي توقفات في العمليات. ومن ناحية أخرى، فإن الاحتفاظ بكميات كبيرة جدًا من النقد أو المخزون قد يؤدي إلى تجميد الأموال وعدم استغلالها في فرص استثمارية أكثر ربحية. لذا، تسعى الشركات إلى تحسين دورة رأس المال العامل لديها، والتي تشمل إدارة المخزون، وتحصيل المدينين، وسداد الدائنين بكفاءة. الإدارة الفعالة للأصول المتداولة تساهم في تعزيز الأداء المالي للشركة، وتحسين تدفقاتها النقدية، وزيادة قدرتها على تحقيق الأرباح على المدى الطويل.

في ختام هذا المقال، نأمل أن نكون قد قدمنا صورة واضحة ومبسطة عن مفهوم الأصول المتداولة وأهميتها في عالم الأعمال. إنها ليست مجرد أرقام في دفاتر المحاسبة، بل هي الأدوات الحيوية التي تمكن الشركات من العمل والنمو والازدهار. من النقد السائل الذي يسهل المعاملات اليومية، إلى المخزون الذي ينتظر تحويله إلى أرباح، وصولًا إلى الديون المستحقة التي تمثل تدفقات نقدية مستقبلية، تشكل الأصول المتداولة مجتمعةً شريان الحياة لأي مؤسسة. فهم هذه الأصول وكيفية إدارتها ليس مهمًا فقط للمتخصصين في المجال المالي، بل هو مفيد لكل فرد يسعى لفهم ديناميكيات عالم الأعمال وكيفية تحقيق الشركات لاستقرارها المالي ونجاحها المستدام. إنها دعوة للنظر إلى ما وراء المصطلحات المعقدة واكتشاف الجوهر البسيط الذي يحكم حركة الأموال وتطور الأعمال.