التسويات الجردية في المحاسبة: المفهوم، الأهمية، والأمثلة العملية
تُعد التسويات الجردية أحد الركائز الأساسية في النظام المحاسبي، إذ تهدف إلى تصوير الوضع المالي الحقيقي للمنشأة في نهاية كل فترة مالية. هذه التسويات هي إجراءات محاسبية تُجرى لتعديل أو تصحيح الأرصدة المسجلة في الدفاتر، بحيث تعكس النتائج الفعلية للأداء المالي والمركز المالي للمنشأة، وفقًا للمبادئ المحاسبية المتعارف عليها.
في هذه المقالة، سنتناول أهمية التسويات الجردية ومبادئها الأساسية، مع تبسيط الأمثلة التي توضح كيفية التعامل مع المصروفات والإيرادات المستحقة أو المدفوعة/المقبوضة مقدمًا.
التسويات الجردية هي إجراءات محاسبية تُجرى عادةً في نهاية الفترة المالية شهرية، ربع سنوية، أو سنوية بهدف التأكد من صحة تسجيل الإيرادات والمصروفات في الفترات التي تخصها فعليًا. تساعد هذه التسويات في إعداد القوائم المالية بطريقة تعكس الأداء المالي الحقيقي للمنشأة.
تنبع أهمية التسويات الجردية من دورها في تطبيق المبادئ المحاسبية الأساسية، ومن أبرز هذه المبادئ:
- أساس الاستحقاق
وفقًا لهذا الأساس، تُسجل العمليات المالية إيرادات أو مصروفات في نفس الفترة التي حدثت فيها، بغض النظر عن توقيت الدفع أو القبض. فمثلاً، إذا تم تقديم خدمة في ديسمبر ولم يُستلم مقابلها حتى يناير، فإن الإيراد يُسجَّل في ديسمبر.
- الأساس النقدي
على العكس من أساس الاستحقاق، يعتمد الأساس النقدي على تسجيل المعاملات فقط عند استلام النقد أو دفعه. هذا الأساس يُستخدم في حالات محددة، ولكنه غير معتمد في إعداد القوائم المالية الرسمية لأنه لا يعطي صورة دقيقة عن الأداء المالي للمنشأة.
- مبدأ مقابلة الإيرادات بالمصروفات
يتطلب هذا المبدأ تحميل الفترة المالية بجميع المصروفات التي ساهمت في تحقيق الإيرادات، حتى لو لم تُدفع فعليًا خلال تلك الفترة. والهدف هو مقارنة العوائد بالتكاليف المرتبطة بها للحصول على صورة دقيقة للأرباح أو الخسائر.
- مبدأ تحقق الإيراد
بموجب هذا المبدأ، لا يُسجَّل الإيراد إلا عند تحققه فعليًا، أي عند تقديم الخدمة أو تسليم المنتج، وليس عند استلام المبلغ. وهذا يتطلب أحيانًا تسجيل إيرادات مستحقة أو تأجيل الاعتراف بالإيرادات المقبوضة مقدمًا.
ثالثًا: أنواع التسويات الجردية
- تسوية المصروفات
تهدف تسوية المصروفات إلى ضمان أن جميع المصروفات المتعلقة بالفترة المالية قد تم الاعتراف بها في نفس الفترة، سواء دُفعت أم لا. وتشمل نوعين:
- المصروفات المستحقة
هي مصروفات تخص الفترة المالية الحالية ولكن لم تُدفع بعد، ولم تُسجَّل في الدفاتر. مثل الرواتب أو الإيجار الذي لم يُسدَّد في نهاية الشهر.
مثال: إذا كان حساب الإيجار يُظهر 2400 ريال في نهاية العام، وتبين أن إيجار ديسمبر 300 ريال لم يُدفع، يُسجَّل القيد التالي:
300 من حـ/ مصروف الإيجار
300 إلى حـ/ إيجار مستحق
هذا القيد يعكس التزامًا يجب تسويته لاحقًا.
- المصروفات المدفوعة مقدمًا
هي مصروفات تم دفعها في فترة مالية لكنها تخص فترات مستقبلية. لذلك، يجب استبعاد الجزء غير المتعلق بالفترة الحالية.
مثال: دفعت منشأة 2000 ريال في 1/1/2010 كمصروف تأمين يغطي 20 شهرًا، ومعدل التأمين الشهري 100 ريال. بنهاية 31/12/2010، يُعترف بـ 1200 ريال كمصروف، ويُرحل الباقي للعام التالي.
قيود اليومية:
1/1/2010
2000 من حـ/ مصروف تأمين مدفوع مقدمًا
2000 إلى حـ/ النقدية
31/12/2010
1200 من حـ/ مصروف التأمين
1200 إلى حـ/ مصروف التأمين المدفوع مقدمًا
- تسوية الإيرادات
تسوية الإيرادات تعني التأكد من أن جميع الإيرادات التي تخص الفترة قد تم تسجيلها، بغض النظر عن ما إذا تم تحصيلها أم لا. وتنقسم إلى نوعين:
أ. الإيرادات المستحقة
هي إيرادات تخص الفترة المالية الحالية ولكن لم تُحصّل بعد ولم تُسجَّل.
مثال: اتفقت منشأة على تقديم خدمة إنترنت مقابل 300 ريال شهريًا، وقدمت الخدمة في ديسمبر دون استلام المبلغ. يجب تسجيل الإيراد كالتالي:
31/12/2014
300 من حـ/ العملاء
300 إلى حـ/ إيراد خدمات الإنترنت
ب. الإيرادات المقبوضة مقدمًا
هي مبالغ تم استلامها خلال الفترة المالية، لكنها تخص فترات قادمة، ولذلك لا يجوز تسجيلها بالكامل كإيراد حالي.
مثال: استلمت منشأة 7200 ريال في 1/1/2014 كإيجار لمبنى عن عامين مقدماً. في نهاية العام، يُعترف بنصف المبلغ فقط 3600 ريال كإيراد عن السنة الحالية.
قيود اليومية:
1/1/2014
7200 من حـ/ النقدية
7200 إلى حـ/ إيراد إيجار مقبوض مقدم
31/12/2014
3600 من حـ/ إيراد إيجار مقبوض مقدم
3600 إلى حـ/ إيراد الإيجار
رابعًا: متى تتم التسويات الجردية؟
عادة ما تُجرى التسويات الجردية في نهاية كل فترة مالية، وقد تكون الفترة شهرية، ربع سنوية، أو سنوية، حسب طبيعة العمل ومتطلبات التقارير المالية. ويُعد هذا الإجراء خطوة ضرورية قبل إعداد القوائم المالية لضمان دقتها وشمولها.
التسويات الجردية ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي جوهر العمل المحاسبي الدقيق الذي يهدف إلى تقديم صورة حقيقية وشاملة عن الأداء المالي للمنشأة. ومن خلال تطبيق المبادئ المحاسبية مثل أساس الاستحقاق ومبدأ تحقق الإيراد، تضمن المنشآت إعداد تقارير مالية موثوقة تعكس الواقع، وتساعد أصحاب القرار في اتخاذ قرارات مبنية على معلومات سليمة.
إضافة تعليق جديد